الحمد لله الذي كمل صيامي أيام شهره الشريف من غير إفطار ، وأقبل بوجهي فيه إلى طاعته من غير إدبار ،
واستنهضني إليه للاعتراف بذنوبي من غير إصرار ، وأوجب لي بانعامه الاقالة من العثار ، ووفقني للقيام في لياليه
إليه داعيا وله مناديا ، أستوهب وأستميح العيوب ، وأتقرب بأسمائه وأستشفع بآلائه ، وأتذلل بكبريائه . وهو تبارك اسمه
في كل يصرفني بقوة الرجاء والتأميل ، عن الشك في رحمته ، لتضرعي إلى التحصيل ، ثقة بجوده ورأفته ، وسعيا
لاشفاقه وعطفه . اللهم هذا شهرك وقد كمل ومضى ، وهذا الصيام قد تم وانقضى ، قدم وكره قدومه تمكن ما في
النفوس ، من لذاتها ونفورها من مفارقة عاداتها ، فما ورد حتى ذللها بطاعته ، وأشخصها إلى طلب رحمته . فكان نهار
صيامنا يذكر لديك ، وليلة قيامنا يوقد عليك ، وارهب القلوب ، وعادل الذنوب ، وأخضع الخدود ، ورفع إليك الراحات
، واستدر العبرات ، بالنحيب والزفرات ، أسفا على الزلات ، واعترافا بالهفوات ، واستقالة للعثرات . فرحمت
وعطفت ، وسترت وغفرت ، وأقلت وأنعمت ، فعاد حبيبا مألوفا قربه ، وقادما يكره فراقه . فعليه السلام من شهر
ودعته بخير أودعته ، وبعد منك قربه ، وغنم من فضلك استجلبه ، وفضائح تقدمت عندك هدرها ، وقبائح محاها ونثرها
، وخيرات نشرها ، ومنافع نثرها ، ومنن منك وفرها ، وعطايا كثرها ، وداع مفارق خلف خيراته ، وأسعد بركاته ،
وجاد بعطاياه . اللهم فلك الحمد مني حمد من لا يخادع نفسه تقدم جزعها منه ، ولا يجحد نعمتك في الذي أفدته
ومحوته عنه ، سائل لك أن تعرض عما اعتمدته فيه ، ولم يعتمده من زلله ، إعراض المتجافي العظيم ، وأن تقبل علي
بتيسير ما تقربت به إقبال الراضي الكريم ، أن ينظر إلي بنظرة البر الرؤوف الرحيم . اللهم عقب علي بغفرانك في
عقباه ، وآمني من عذابك ما أخشاه ، وقني من صنوفه ما أتوقاه ، واختم لي في خاتمته بخير تجزل منه عطيتي ،
وتشفع فيه مسألتي ، وتسد به فاقتي ، وتنفي به شقوتي ، وتقرب به سعادتي ، وتملأ يدي من خيرات الدارين ، بأفضل
ما ملأت به يد سائل ، ورجعت به أمل آمل . وتمنحني في والدي وفي جميع المؤمنين والمؤمنات الغفران والرضوان ،
وتذكرهم منك بإحسان تنيل أرواحهم مسرة رضوانك ، وتوصل إليها لذة غفرانك ، ترعاها في رياض جنانك ، بين
ظلال أشجارها ، وجداول أنهارها ، وهنيئ ثمارها ، وكثير خيراتها ، واستواء أقواتها ، وصنوف لذاتها ، وسائغ
بركاتها . وأحينا لورود هذا الشهر عائدا في قابل عامنا بهدم أوزارنا وآثامنا إلى القربات منك سبيلا ، وعليها وإليها
رسيلا ، يا أقدر القادرين ، يا أجود المسؤولين . اللهم اني كل ما لفظت به إليك جل ثناؤك ، من تمجيد ، وتحميد
ووصف لقدرتك وإقرار بوحدانيتك ، وإرضائك من نضيبي إليك ، ومن إقبالي بالثناء عليك ، فهو بتوفيقك . فلك الحمد
يا قاضي ما يرضيك ، وإن كان من أيسر نعمك لانكافيك ، ثم بهداية محمد نبيك صلى الله عليه وآله وسفارته وإرشاده
ودلالته ، فقد أوجبت له بذلك من الحق عندك وعلينا ما شرفته به ، وأوعزت به إلينا . اللهم فكما جعلته لهدايتنا علما ،
وإليك لنا طريقا وسلما ، ومن سخطك ملجا ومعتصما ، وفينا شفيعا مقدما ، ومشفعا مكرما ، وكان لا مكافاة له إلا منك
، ولا اتكال من مجازاته إلا عليك ، وكنا عن حقه بأنفسنا وأموالنا مقصرين ، وكان فيها من الزاهدين ، عنها من
الراغبين ، ولسنا إلى تأتيه بواصلين ، ولا عليها بقادرين ، فاجزه عنا بأفضل صلواتك ، وأطيب تحياتك . اللهم صل
عليه صلاة تمد منك بشرائف حبواتك ، وكرائم عطياتك ، وموفور خيراتك ، وميسور هباتك ، صلاة تكثر وتكشف حتى
لا تنقطع ، ولا تضعف ، صلاة تتدارك وتتصل حتى لا تختل ولا تنفصل ، صلاة تتوالى وتتسق حتى لا تتشعب ولا
تفترق ، صلاة تدوم وتتواتر ، وتتضاعف وتتكاثر ، وتزن الجبال ، وتعاد الرمال . صلاة تجاري النيرات في أفلاكها ،
والقدرة التي قامت بأسماكها ، صلاة تنافي الرياح والنجوم والشموس والغيوم ، وورق الشجر وألفاظ البشر وتسبيح
جميع المخلوقين من الماضين والباقين ، ومن يخلق إلى يوم الدين ، ثم استودعها تعارف العالمين ، الذي ليس له فناء ،
ولا حد ولا انتهاء . اللهم فأوصل ذلك إليه وإلى أهل بيته الطاهرين ، وإلى آبائه وآباء إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ،
وإلى جميع النبيين والشهداء والصالحين ، وإلى جبرئيل وميكائيل ، وحملة عرشك والملائكة صلى الله عليه وعليهم
أجمعين ، وحسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم
|